مع بداية القرن الواحد والعشرين حدث تحول هام في دراسة القيادة، فبعدما كان الاهتمام في الماضي مركزا على القائد أصبح منصبا على القائد والأتباع، والزملاء والمشرفين وظروف العمل والسياق الثقافي. وهكذا ظهرت مجموعة من النظريات الحديثة للقيادة نذكر من بينها: القيادة الأصيلة، القيادة المعرفية، قيادة التعقيد، القيادة المشتركة، القيادة الالكترونية، والقيادة الخادمة…إلا أننا في هذا المقال سنتوقف عند مقاربة القيادة الخادمة ونحاول توضيح مضمونها من خلال الإجابة على عدد من الأسئلة الأساسية وهي: ما هي القيادة الخادمة ؟ ما هي أهم خصائص وسلوكيات القائد الخادم ؟ وما مدى قابلية التابعين للقيادة الخادمة ؟ وأخيرا ما هو التأثير المحتمل للقيادة الخادمة؟ وستتم الإجابة عن هذه الأسئلة بالرجوع إلى أحد النماذج التي حاولت الجمع بين ثلاثة أبعاد رئيسية في معالجة القيادة الخادمة وهي العوامل المسبقة التي تؤثر في القيادة الخادمة ، وسلوكيات القائد الخادم ، والنتائج المتوقعة لهذا النوع من القيادة.
تعريف القيادة الخادمة
نشير بداية إلى أن القيادة الخادمة ترتبط أساسا باسم روبرت كرينليف (Robert Greenleaf) العالم الأمريكي الذي اصدر في الموضوع عدة كتابات كما أنه أسس “مركز كريينليف للقيادة الخادمة” المتخصص في الدراسة والبحث والتأليف في مجال القيادة الخادمة. إلا أن عددا من الباحثين انكبوا فيما بعد، على دراسة هذا المنظور الجديد للقيادة وعملوا على تطويره نظريا وتطبيقيا. فما هو التعريف الذي يعطي للقيادة الخادمة؟
لا تقدم الأدبيات التي رجعنا إليها تعريفا واضحا للقيادة الخادمة، إلا أن التعريف الأكثر شيوعا بين الباحثين هو الذي طرحه كريينليف عام 1970 في كتاب يحمل عنوان القائد كخادم (The Leader as Servant) حيث يقول “تبدأ القيادة الخادمة بشعور طبيعي لدى الشخص بالرغبة بأن يخدم أولا، ثم يقود لاحقا…” إلا أن نورث هاوس يري أن هذا التعريف يتصف بالتعقيد مع أنه يطرح الأفكار الأساسية للقيادة الخادمة التي ركز عليها الباحثون في الوقت الحاضر”. ومن هذه الأفكار الأساسية ذكر أن القائد الخادم هو الذي:
وبناءا على هذه الأسس أعلاه يمكن أن نعرف القيادة الخادمة اختصارا بأنها: القيادة التي تعطى فيها الأولوية القصوى لاحتياجات الآخرين (التابعين)، وتقدم فيها مصالحهم على المصالح الشخصية للقائد. مع حرص القائد على تطوير التابعين وتفويض السلطة لهم بناء على سلوك أخلاقي ثابت.
وقد قام الدارسون بعدد من البحوث أسفرت عن وجود عدد من النماذج التي تصف القيادة الخادمة والتي اعتمدت متغيرات مختلفة. وهكذا وضع مجموعة من الباحثين سنة 2008 نموذجا لتوضيح القيادة الخادمة وفهم تعقيداتها، وقد ميزوا فيه بين ثلاثة أبعاد رئيسية وهي: المعطيات السابقة ، وسلوكات القائد،والمخرجات، وذلك كما هو مبين في الشكل أدناه طبقا لما أورده نورث هاوس[1].
في الجزء الأيمن من النموذج المعنون بالمعطيات السابقة التي تؤثر في القيادة الخادمة نجد إلى جانب الثقافة والوضع القائم خصائص القائد وقابلية التابعين. وهكذا سنتعرض أولا لخصائص القائد ثم لقابلية التابعين
خصائص القائد
ثؤثر خصائص القائد بشكل كبير على عملية القيادة الخادمة ، وقد قام سبيرز (Spears 2004) بناء على كتابات كريينليف، بتحديد عشر خصائص للقائد الخادم وهي التالية:[2]
سلوكيات القائد الخادم
بالرجوع إلى النموذج أعلاه نلاحظ في وسط النموذج مجموعة من سلوكيات القائد الخادم التي تؤثر كل منها بشكل خاص على عملية القيادة الخادمة وقد حدد النموذج سبعة سلوكيات وهي: التصور ويقصد به الفهم العميق للقائد لغايات المنظمة وتعقيداتها ورسالتها، والتعافي العاطفي ويقصد به الاهتمام بالشؤون الشخصية للتابعين، والتابعون أولا بمعنى إعطاء الأولوية لشؤون وهموم التابعين، ومساعدة التابعين على التطور والنجاح والسلوك الأخلاقي أي التمسك بمعايير أخلاقية عالية ، والتمكين أي إعطاء التابعين حرية اتخاذ القرارات والاعتماد على الذات، وخلق قيمة للمجتمع ويعني ذلك مشاركة القائد الخادم في الأنشطة المحلية وتشجيع التابعين على التطوع لتقديم خدمات لمجتمعهم.(نورث هاوس ص. 270 ).
قابلية التابعين
أظهرت البحوث أن بعض التابعين لا تكون لهم رغبة في العمل مع القائد الخادم، ولا يرغبون في أن يقوم القائد بمساعدتهم أو إرشادهم أو تطويرهم. وعندما تنعدم رغبة التابعين ينعكس ذلك سلبا على أدائهم، أما إذا كانت للتابعين رغبة في العمل مع القائد الخادم فإن ذلك ينعكس إيجابيا على أدائهم الفردي وعلى أداء المنظمة. وعليه فإن القيادة الخادمة ليست الأسلوب القيادي الصالح في جميع الظروف، بل إنها تكون غير فاعلة إذا لم تكن للتابعين رغبة في الإرشاد والمساندة والتمكين.
وهذه الفكرة تحيلنا على نموذج القيادة الموقفية لكل من بول هيرسي وكينيث بلانشارد ، ذلك النموذج الذي يجعل رغبة التابعين عنصرا أساسيا في تحديد أسلوب القيادة، ويعرف الرغبة بمدى توفر التابع على الثقة والدافعية والالتزام للقيام بمهمة معينة. فالأشخاص الذين تكون لهم الرغبة أي استعداد نفسي مرتفع في مجال معين يؤمنون بأهمية المسؤولية، ويثقون في أنفسهم ويرضون عن عملهم…وعندما تغيب الرغبة يفقد التابعون التزامهم أو دافعيتهم فيتراجعون ويتقهقرون (حليمة الغراري ص.159)
النتائج المحتملة القيادة الخادمة
يري كرينليف أن الهدف من القيادة الخادمة هو خلق منظمة صحية تعتني بنمو أفرادها وتعزز أداء المنظمة ويكون لها تأثير إيجابي على بيئتها. وحسب نموذج القيادة الخادمة أعلاه فإن القيادة الخادمة تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية وهي: تحسين أداء التابعين وتطويرهم، تحسين أداء المنظمة، وإحداث الأثر الاجتماعي.
فالنسبة لتحسين أداء التابعين وتطويرهم فإن النتيجة المتوقعة بالنسبة للتابعين هي تحقيق ذواتهم ، وزيادة فاعليتهم في أدائهم للمهام المطلوبة منهم ، كما يتوقع منهم أن يصبحوا بدورهم قادة خادمين.
أما فيما يرجع لأداء المنظمة فقد وجد الدارسون أن القيادة الخادمة لها تأثير إيجابي على أداء المنظمة حيث يفوق أداء التابعين ما هو مطلوب منهم، وهذا يساهم في زيادة فاعلية المنظمة.
أما بالنسبة للأثر الاجتماعي فقد تبين للدارسين أن القيادة الخادمة تأثير إيجابي على المحيط الاجتماعي،حيث إن جعل الآخر محل الاهتمام يؤدي على المدى البعيد إلى تغير اجتماعي إيجابي يساعد على النمو والتطور.
وخلاصة القول هي: أن القيادة الخادمة تعتبر مدخلا جديدا في القيادة يقوم على مبدأ العناية بالآخرين وإعطائهم الأولوية، وإشراكهم في السلطة ودعمهم وتطويرهم من اجل أن يصبحوا بدورهم قادة يخدمون الآخرين.
[1] نورث هاوس: القيادة الإدارية: النظرية والتطبيق، 2018 . ص. 268
[2] Bruce Avolio. Fred Walumbwa. And Todd Weber: Leadership: Current Theories ;Research; and Futures Directions , University of Nebraska, 2009
Discutez avec nous