Empowerment

التمكين الإداري

 

تمهيد

التمكين هو الترجمة العربية المتداولة لكلمة  Empowerment في اللغة الانجليزية. وهو من المفاهيم الحديثة التي أصبحت مستعملة في عدد من المجالات المعرفية سواء منها السيسيولوجية، او السيكولوجية أو الاقتصادية أو الإدارية والقيادية ، والغاية من  التمكين  تطوير قدرات الإنسان ليكون عضوا فعالا في تطوير المؤسسات وإحداث التغيير الذي تقتضيه متطلبات التطورات العميقة والمتسارعة التي يعرفها العالم على كل المستويات وفي كل المجالات.  

وإذا كانت جذور التمكين تعود إلى علم النفس وعلم الاجتماع، فإنه أصبح في العقود الأخير من المفاهيم الأساسية في أدبيات التدبير الحديثة. ففي الثمانينات نجد تشجيع المديرين على إشراك العاملين في القرارات المتعلقة بالعمل. وفي التسعينات  ذهب المديرون إلى أكثر من ذلك ، حيث اتجهوا إلى منح للعمال كامل الرقابة على عملهم حتى يمكنهم العمل دون رئيس وتحمل مسؤولية ما يفعلون. وهكذا أصبح على المديرين أن يتعلموا كيف يتخلون عن التحكم والرقابة، وعلى العمال أن يتعلموا كيف يتحملون المسؤولية عن ما يقومون به و يتخذوا القرارات  المناسبة.(Robbins 1996 ) وإذا ركزنا في هذا المقال على التمكين كمهارة إدارية فيجب التنبيه  إلى أن التمكين يمكن أن يطبق في مجالات أخري عديدة ويستفيد الناس في أدوار متعددة من تنمية مهاراته وذلك مثل الآباء والمدرسين والمكونين… فما هو التمكين ؟ وما هي أبعاده؟  وكيف يمكن للقائد آو المدير أن يجعل العاملين ممكنين؟  

 ما  هو معنى التمكين؟  

عرف ربابورت  (Rappaport, 1987) التمكين  كسيرورة  تجعل الناس والمنظمات والجماعات  تتحكم  في الأمور التي تهمهم .

أما معجم اكسفورد ( 1998) فيفسر التمكين بأنه ” إعطاء (شخص ما)  سلطة المنصب أو النفوذ لفعل شيء ما. أي جعل (شخص ما) قويا وأكثر ثقة في نفسه، وقادرا على التحكم في حياته والمطالبة بحقوقه

وفي معجم الأعمال (Business Dictionary) يشرح التمكين بأنه ” ممارسة في التدبير الإداري تقوم على تقاسم المعلومات والمكافآت والسلطة مع العاملين بحيث يمكنهم من المبادرة واتخاذ القرارات لحل المشاكل وتحسين الخدمات والأداء.  

أما روبرت آدم  (2008 Robert Adam) فيعرف التمكين بأنه قدرة  الإفراد، والمجموعات، أو الجماعات على التحكم في ظروفهم  وممارسة السلطة، وانجاز أهدافهم، وهو سيرورة  تجعل الأفراد والجماعات قادرين على مساعدة أنفسهم ومساعدة الآخرين  لتحسين نوعية حياتهم إلى أقصى ما  يمكن.

 أما زامرمان (.1995  Zimmerman) فيعرف التمكين بأنه ” سيرورة  يستطيع الناس من خلالها أن يتحكموا في حياتهم. وهو المشاركة مع الآخرين من أجل تحقيق الأهداف، وبذل الجهود للوصول إلى الموارد، والفهم حقيقي للبيئة الاجتماعية والسياسية .

ويعني التمكين عند  كيم كمرون ودافيد ويتن (k.Cameron and D. Whetten 2005) : “جعل الشخص قادرا على…  ويعني مساعدة الناس على تطوير الإحساس بالثقة بالنفس، ويعني مساعدة الناس على التغلب على الإحساس بأنهم لا حول لهم ولا قوة  وبأنهم مغلوبين على أمرهم .  ويعني بعث الحيوية  في الناس من اجل مباشرة العمل، كما انه يعني إثارة الدوافع الجوهرية لانجاز المهمة “

ما هي إبعاد التمكين ؟

أسفرت إحدى الدراسات التجريبية عن التمكين  التي قامت بها Spreitzer  ( 1992و 1999) بجامعة ميشغان عن تحديد أربعة إبعاد للتمكين وهي: الإحساس بالمعنى، الإحساس بالفعالية الذاتية ، الإحساس بحرية الاختيار ، والإحساس بالتحكم الذاتي :  إلا أن كيم كمرون  أضاف إلى هذه الإبعاد الأربعة بعدا خامسا هو بعد الثقة فماذا يعني كل بعد من هذه الأبعاد الخمسة ؟

أولا: الإحساس المعنى:

الأشخاص الممكنين يكون لهم إحساس بالمعنى، أي أنهم يعطون قيمة لأهداف العمل الذي يقومون به ويرون آن متطلبات العمل منسجمة مع معتقداتهم وقيمهم وسلوكهم   كما أنهم يشعرون بان العمل الذي يقومون به يستحق جهدهم ووقتهم. وتكمن أهمية الإحساس بمعنى الأعمال أو الأنشطة التي يقوم بها الشخص في أنه يخلق لدى الإنسان الشعور بالهدف والحب ويزوده بمصدر للنشاط والحماس. أما إذا زاول الشخص عملا لا يجد له معنى فإنه يشعر بالقلق والضجر والانفصال عن العمل والإرهاق.

ثانيا: الفعالية الذاتية او الكفاءة:

عندما يكون الشخص ممكنا يكون عنده إحساس بالفعالية الذاتية، أو الإحساس بأنه يمتلك القدرة والكفاءة  للقيام بالمهمة بمهارة وبشكل ناجح. والشخص الممكن لا يشعر فقط بالكفاءة بل يشعر بالثقة بأنه يستطيع أن ينجز المهمة بشكل لائق، ويؤمن بأنه يستطيع أن يتعلم ويتطور لمواجهة تحديات جديدة. ويعتقد بعض الكتاب أن هذا  البعد هو العنصر الأكثر أهمية في التمكين لأنه هو الذي يحدد ما إذا كان الشخص سيظهر إصرارا على انجاز مهمة صعبة.

وقد حدد باندورا ( Bandura,1977) ثلاثة شروط ضرورية حتى يشعر الشخص بالفعالية الذاتية وهي:  1) الإيمان بأنه يتوفر على القدرة لإنجاز المهمة، 2) الإيمان بالقدرة على بذل المجهود  الضروري ، 3) الإيمان بأنه لن يحول بينه وبين تحقيق المهمة أي عائق.  

ثالثا: الإحساس بحرية الاختيار :  self – determination

 الأشخاص الممكنين يكون لديهم إحساس بالاختيار الشخصي . فالشخص يشعر بحرية الاختيار الشخصي عندما  يستطيع طوعيا وعفويا المشاركة في المهام ، بدل أن يكون مجبرا أو ممنوعا من  الانخراط أو المشاركة. فأفعاله تكون نتيجة الحرية الشخصية والاستقلالية. كما أن   الشخص الممكن يتوفر على الإحساس بالمسؤولية عن أنشطته وامتلاكها. ويكون قادرا على اخذ المبادرة ، واتخاذ قرارات مستقلة وتجريب أفكار جديدة ، وذلك بدل الشعور بأن أعماله محددة مسبقا ، ومتحكم  فيها خارجيا، أو لا يمكن تجنبها. فالشخص الذي يكون لديه إحساس بالتمكين غالبا ما يكون لهم مركز تحكم داخلي، أي أنه يشعر بأنه يتحكم شخصيا فيما يحدث له.

رابعا: الاحساس بالتحكم الذاتي (القدرة على التأُثير)

الشخص الممكن يكون متحكما في أفعاله.ويكون مؤمنا بأنه يستطيع  أن يؤثر في البيئة التي يعمل فيها أو على النتائج المحصل عليها.. وتكون لديه قناعة بأنه، من خلال أفعاله الخاصة،  يستطيع أن يؤثر على ما يحدث. فالشخص الممكن لا يعتقد أن العراقيل الموجودة في البيئة الخارجية تؤثر على ما يقوم به، بل إنه يؤمن بان يستطيع  التحكم في تلك العراقيل  

خامسا: الثقة :

و أخيرا فإن الشخص المكن يكون لديه إحساس بالثقة. حيث يكون واثقا من انه سيعامل بالعدل والمساواة. وأن الذين يتوفرون على السلطة لن يلحقوا به ضررا أو أذى. وبتعبير آخر فإن الثقة تعني الإحساس بالأمن الشخصي. فالشخص الممكن يؤمن بأنه ، في النهاية،  لن يتعرض لأي  ضرر وذلك كنتيجة لهذه الثقة التي يشعر بها.

 كيف يمكن للقائد آو المدير أن يجعل العاملين ممكنين؟

كيف يمكن للقائد أو المدير أن يجعل العاملين ممكنين؟  جوابا عن هذا السؤال نجد كيم كاميرون  يقدم بعض الاقتراحات العملية  لتمكين الآخرين ، ومن أهمها  :  صياغة رؤية وأهداف واضحة،  إعطاء المثل،  توفير الدعم ، توفير المعلومات اللازمة،  توفير الموارد اللازمة ،  وخلق الثقة.

أولا: صياغة رؤية وأهداف واضحة :

على القائد أن يعمل على توفير بيئة يستطيع الفرد أن يشعر فيها بأنه ممكن ، وذلك بجعله موجها برؤية واضحة عن أين تسير المنظمة وكيف يمكنه أن يشارك كفرد. فكل واحد منا له رغبة في أن يعرف الغرض من الأنشطة التي يقوم بها، وما هو الهدف النهائي منها، وما دوره في تحقيق ذلك الهدف. وأسوء الأحوال هي أن يجد المرء نفسه في موقف يغيب فيه التوجيه  حيث يفعل كل واحد ما يخطر بباله، أو حيث لا يوجد هدف أو غاية مشتركة. وهذه هي الحالة الكلاسيكية التي تؤدي إلى الفوضى والاضطراب بل وحتى للموت أحيانا.

كما أن التمكين يزداد تحسنا بتحديد أهداف سلوكية محددة تساعد في توجيه سلوك الناس عندما يعملون من اجل إنجاز مهامهم.

خلاصة القول إن الناس يصبحوا ممكنين  كلما توفروا على رؤية واضحة عن المستقبل وعلى بعض الأهداف السلوكية المحددة التي تساعد على توضيح كيف يستطيعون تحقيق تلك الرؤية.

ثانيا: إعطاء المثل :

ومن طرق التمكين أن تعطي النموذج أو تظهر السلوك الصحيح الذي ينبغي أن يقوم به الآخرون كما أن التعرف على  شخص نجح في أنشطة صعبة يعطي للآخرين دوافع قوية للإيمان بأنهم بدورهم يمكنهم النجاح.  كما أن ذلك يساعد الناس على افتراض إمكانية القيام  بالمهمة الصعبة  واعتبارها  داخلة في نطاق قدراتهم، وأن النجاح ممكن.

ثالثا: توفير الدعم :

التقنية الثالثة لتمكين الآخرين  تتجلى في تزويدهم  بالدعم الاجتماعي والعاطفي. وحتى يشعر الناس بأنهم ممكنين على المدير أن يمدحهم، ويشجعهم، ويعبر عن قبول أدائهم  واستحسانه ،هذا بالإضافة إلى دعمهم،  وطمأنتهم .

 رابعا: توفير المعلومات :

عندما يزود القائد العاملين معه بمعلومات أكثر فإنه يساعدهم على اكتساب الإحساس بالتمكين وغالبا ما يجعل ذلك عملهم أكثر إنتاجية ونجاحا وفي توافق مع متمنيات القائد. فتوفير معلومات أكثر غالبا ما يجعل الناس أكثر قدرة على الاختيار والرقابة الذاتية، وأكثر ثقة في النفس وتعاونا مع القائد الممكن بدل مقاومته.

خامسا: توفير الموارد :

بالإضافة إلى تزويد العاملين بالمعلومات الضرورية ، فإن التمكين يحتاج أيضا إلى تزويد العاملين بأنواع أخري من الموارد التي تساعدهم على انجاز المهام الموكولة إليهم. فالقائد الذي يحاول أن يحسن تمكين العاملين عن طريق تزويدهم  بالموارد  التي يحتاجون إليها سيحرص على جعل العاملين يتلقون التكوين المناسب لتنمية الخبرات كما انه يوفر لهم الدعم التقني والإداري لضمان نجاحهم. و اختصارا، فالقائد الناجح يوفر لكل فرد كل ما هو ضروري لتحقيق الأهداف المرغوب فيها.

سادسا:خلق الثقة :        

يعتبر خلق الإحساس بالثقة بين العاملين من بين تقنيات توليد التمكين. وهذه الثقة  تساعد على إبعاد الشك، وعدم اليقين، والغموض  عن العلاقات بين القائد والتابعين. ويقتضي خلق الثقة توفر القائد على خمسة صفات  وهي اختصارا: الاعتمادية، الإنصاف، العناية،  الصراحة، والكفاءة والخبرة .

 

المراجع

David A .Whetten /Kim S.Cameron:  Developing Management Skills. New Jersey, 2005

Robens, Stephen P.1996 . Organizational Behavior. Prentice Hall, New Jersey

https://my.vanderbilt.edu/perkins/files/2011/09/empintro.proquest.pdf