نشير في البداية إلى أن القيادة الأصيلة هي ترجمة للمصطلح الانجليزي Authentic Leadership وهناك من يترجمها بالقيادة الموثوقة أو القيادة الجديرة بالثقة. وعلى الرغم من اهتمام الدارسين بالقيادة الأصيلة منذ القدم إلا أن الأبحاث في هذا الموضوع تعتبر حديثة ،حيث يعرف مطلع القرن الواحد والعشرين اهتماما متزايدا من طرف الباحثين في هذا المجال وقد تجلى ذلك في ظهور أدبيات في الموضوع؛ وفي مقدمتها كتاب “القيادة الأصيلة’ لجورج بيل (George, 2003)، ثم تبعه كتاب في نفس الموضوع لكل من Luthans and Avolio,2003.[1] . أما العوامل التي ساعدت على زيادة الاهتمام بالقيادة الأصيلة فنجد في مقدمتها الشعور بعدم الاستقرار الاجتماعي في الولايات الأمريكية المتحدة؛ فقد أدى هجوم 2001/11/9 ، وانتشار الفساد في الشركات ، والمشاكل الاقتصادية والمالية إلى سيادة الشعور بعدم الثقة والقلق فيما يتعلق بالقيادة ، وأدى انتشار القيادة غير الأخلاقية وغير الفاعلة على نطاق واسع إلى خلق الحاجة إلى قيادة إنسانية بناءة تخدم المصلحة العامة[2] وهكذا اتجه اهتمام الباحثين إلى تطوير البحث تطبيقيا ونظريا في موضوع القيادة الأصيلة وتطوير البحوث التي تمت حولها في نطاق القيادة التحويلية. ولتقريب الموضوع من القارئ سنكتفي في هذا المقال بمحاولة الإجابة على ثلاثة أسئلة أولية وأساسية وهي: ما هي القيادة الأصيلة؟ ما هي عناصرها ؟ ومن هو القائد الأصيل وما هي أهم الخصائص التي يتميز بها؟
تعريف القيادة الأصيلة
نشير بداية إلى أن القيادة الأصيلة تقوم على مفهوم الأصالة الذي تعود جذوره إلى مجالات معرفية أخري كالفلسفة ، وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم النفس الإيجابي. ويعتبر البحث في القيادة الأصيلة (والتي يترجمها البعض بالقيادة الموثوقة ، أو القيادة الجديرة بالثقة ) مجالا جديدا في القيادة وعليه فهي مازالت موضوع البحث والدراسة ولم تصبح بعد نظرية كاملة كباقي النظريات القيادية السابقة كنظريات السمات والنظريات السلوكية والنظريات الظرفية والنظريات التحويلية وغيرها
وبعد اطلاعنا على بعض أدبيات القيادة الأصيلة لا حظنا انه لا يوجد تعريف واحد يتفق عليه جميع الباحثين والمنظرين بل توجد عدة تعريفات لها وكل تعريف يركز على أبعاد مختلفة. ونورد فيما يلي بعض التعريفات كما وردت عند نورث هاوس[3].
فاتجاه البعد الشخصي للقائد يعرف القيادة الأصيلة (الموثوق بها) بأنها القيادة التي تقود من خلال قناعات ذاتية غير تقليدية.
أما اتجاه العملية الشخصية فتعرف القيادة الأصلية بأنها علاقة يتم بناؤها من طرف كل من القادة والتابعين، أي أنها عملية تبادلية حيث يؤثر القائد في التابعين ويؤثر التابعون في القائد.
و أخيرا الاتجاه التطويري الذي ينظر إلى القيادة الأصيلة علي أنها شيء يمكن تنميته لدى القائد وليست سمات ثابتة. فالقيادة الأصيلة، عند أصحاب هذا الاتجاه، تتطور لدى الإنسان عبر الزمن، ويمكن أن تظهر فجأة بسبب وقوع أحداث كبري في حياة الإنسان مثل الأمراض القاسية أو مهام عمل جديدة.
وفي هذا الإطار التطويري نجد مجموعة من التعريفات للقيادة الأصيلة منها تعريف ليتانز وأفوليو 2003 Luthans and Avolio الذي يعرف القيادة الأصيلة ” كعملية مستمدة من كل القدرات السيكولوجية الإيجابية، ومن السياق التنظيمي العالي التطور، الشيء الذي يؤدي إلى كل من وعي أكبر بالذات، وتنظيم ذاتي للسلوك الإيجابي بالنسبة للقائد والشركاء، ، وتعزيز التطور الذاتي الإيجابي”. ومع ذلك فإن عددا من الكتاب عرفوا القيادة الأصيلة بأنها القيادة التي تشتمل على قدرات سيكولوجية إيجابية مثل الثقة والأمل، والتفاؤل، والمرونة.أما إيليس Illies وأخرون (2005) فيقترحون نموذجا للقيادة الأصيلة يشتمل على أربعة عناصر : الوعي الذاتي، والمعالجة غير المتحيزة، والسلوك الحقيقي، والتوجه نحو علاقات أصيلة[4]. ويتفق Avolio وآخرون على أن القيادة الأصيلة تشتمل على منظور أخلاقي إيجابي يتميز بمستوى أخلاقي مرتفع يوجه اتخاذ القرار والسلوك.( Fred Walumbwa et al 2008)
أما Walumbwa وآخرون (2008) فيعرفون القيادة الأصيلة بأنها “قدرات سيكولوجية إيجابية لدى القائد ومبادئ أخلاقية قوية، ويرون أن القيادة الأصيلة تتكون من أربعة عناصر مختلفة لكنها مترابطة فيما بينها وهي: الوعي الذاتي، التصور الأخلاقي الداخلي، والتوازن، والشفافية في العلاقات.
عناصر القيادة الأصيلة
تتفق الأدبيات على أربعة عناصر للقيادة الأصيلة وهي: المعالجة المتوازنة، المنظور الأخلاقي الداخلي ، شفافية العلاقات، والوعي الذاتي [5]. فما ذا يعني كل عنصر من هده العناصر؟
المعالجة المتوازنة: يقصد بها التحليل الموضوعي للمعطيات المهمة قبل اتخاذ القرار.وفي تفسير نورث هاوس لهذا العنصر يوضح أن التوازن يعني أن تكون للقائد القدرة على تحليل المعلومات بموضوعية وفهم وجهات نظر الآخرين قبل اتخاذ القرارات. كما أن التوازن يعني عدة أمور أخري ومنها: عدم المحسوبية وعدم التحيز ، واستخلاص وجهات نظر الآخرين المعارضين وتحليلها قبل اتخاذ القرارات. وكما يصرح نورث هاوس فإن القائد المتوازن يكون محل ثقة الآخرين لأنهم يرونه منفتحا في توجهاته وموضوعيا في تعامله مع وجهات نظر الآخرين.
المنظور الأخلاقي الداخلي : يعني توفر القائد على معايير أخلاقية داخلية توجه سلوكه. بمعنى أن القائد تكون لديه قيود ذاتية مستمدة من معايير أخلاقية داخلية، وقيم توجه سلوكه ولا تسمح بتأثير الضغوط الخارجية عليه.
شفافية العلاقات: قدرة القائد على إظهار ذاته الحقيقية عن طريق تشارك المعلومات والعواطف بما يناسب المواقف. وتتحقق العلاقات الشفافة عندما يظهر القائد قيمه وشعوره ودوافعه ورغباته للآخرين وباختصار تعني العلاقات الشفافة التواصل المفتوح والصدق في تقديم القائد لنفسه للآخرين.
الوعي الذاتي: يقصد به إظهار تفهم القائد لجوانب قوته وضعفه ونظرته إلى العالم. ويعني ذلك معرفة القائد لذاته بشكل عميق وفهم وإدراك مشاعره والثقة فيها. وعندما يفهم القائد نفسه ويعرف من هو والقيم التي يؤمن بها تتكون له قاعدة صلبة لقراراته وأفعاله. ويكون القائد الذي له وعي ذاتي محل ثقة الآخرين
وهكذا فهذه العناصر الأربعة هي التي تكون أساس القيادة الأصيلة كما أن كل عنصر منها يجعل القائد محل ثقة الآخرين الذين ينظرون إليه على أنه منفتح وموضوعي وأن أفعاله منسجمة مع قيمه ومعتقداته. فمن هو القائد الأصيل؟ وما هي خصائصه؟
تعريف القائد الأصيل
بالرجوع إلى كتاب بيل جورج the True North نجده يعرف القائد الأصيل بأنه شخص صادق مع نفسه ومع معتقداته، لا توجهه توقعات الآخرين بل يكون هو ذاته.، وأنه كلما تطور كلما زاد اهتمامه بخدمة الآخرين بدل اهتمامه بنجاحه وباعتراف الآخرين به. كما أن القائد الأصيل هو الذي يبني علاقات أصيلة مع الآخرين ويعزز الثقة. وهو الذي يعمل على تحفيز الآخرين – عندما يكسب ثقتهم – لتحقيق مستويات عالية للأداء وذلك عن طريق تمكينهم ليصبحوا بدورهم قادة.
خصائص القائد الأصيل
بناء على المقابلات الشخصية التي أجراها بيل جورج مع عدد من القادة الناجحين توصل إلى أن القائد الأصيل يتميز بخمس خصائص أساسية وهي كالتالي: يعرف غايته، يتوفر على قيم راسخة ، يبني علاقة ثقة مع الآخرين، كما أنه يكون منضبطا ذاتيا ويتصرف وفق قيمه، ومتحمس لرسالته. ونوضح في الفقرات التالية المقصود بكل خاصية من هذه الخصائص الخمس وذلك كما وردت عن جورج بيل
أولا: السعي إلى تحقيق غايته
يجاهد معظم القادة من أجل فهم غاية قيادتهم، وحتى يجد القائد الأصيل غايته عليه أولا أن يفهم ذاته ومشاعره. ومن تم فإن مشاعره توضح له الطريق نحو غاية قيادته. وبدون إحساس حقيقي بالغاية يظل القائد تحت رحمة نقط ضعفه الأنانية والنرجسية.
ثانيا:تطبيق قيم راسخة
إذا كان القائد يعرف بقيمه، فينبغي أن تتوفر قيمة الاستقامة في القائد الأصيل.فإذا لم يكن القائد مستقيما فلن يثق فيه أحد، ولا ينبغي أن يثق فيه. وتتكون قيم القائد الأصيل من معتقداته الشخصية. ولا تقاس قيم القائد الأصيل بما يقوله، بل بما يطبقه تحت الضغط. وإذا لم يطبق القائد القيم التي يقولها، فإن الناس سرعان ما يفقدون الثقة في قيادته.
ثالثا: القيادة بالقلب
القائد الأصيل يقود بقلبه كما يقود بعقله.وتعني القيادة بالقلب حب القائد لعمله، والرأفة بالناس الذين يخدمهم، والتعاطف مع الذين يعمل معهم، والشجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة.
رابعا: إقامة علاقات قوية
تعتبر القدرة على تنمية علاقات وطيدة من العلامات الأساسية للقائد الأصيل.فالناس في يومنا هذا يتطلعون إلى علاقات قوية مع قائدهم قبل انهماكهم كليا في عملهم. كما أنهم يؤكدون على الاقتراب من قائدهم، ويعرفون أن الثقة والالتزام يقومان على انفتاح وعمق العلاقات مع القائد. و كنتيجة لذلك فإنهم يظهرون التزاما كبيرا لعملهم والولاء لمنظمتهم.
خامسا: إظهار الانضباط الذاتي
يضع القائد الأصيل معايير عالية لنفسه ويتوقع نفس الشيء من الآخرين. و يتطلب ذلك قبول المسؤولية عن النتائج ومحاسبة الآخرين على انجازهم . وعندما يفشل القائد فمن المهم كذلك أن يتقبل خطأه ويصلحه في الحين. كما ينبغي للقائد أن يكون منضبطا في حياته اليومية وإلا فإنه لا يستطيع الحفاظ على الضبط الذاتي في العلاقات.
وتلخيصا لما سبق يمكن القول إن القيادة الأصيلة أصبحت من بين أهم المواضيع التي يهتم بها الباحثون الأمريكيون في مجال القيادة وإدارة المؤسسات وذلك كرد فعل على عدد من التغيرات السلبية التي عرفتها الشركات الأمريكية والتي قضت على مصداقية القيادات الإدارية بها . أما من الناحية الأكاديمية فإن الاهتمام بالقيادة الأصيلة يعتبر امتدادا للبحث في مجال القيادة التحويلية والقيادالأخلاقية حيث دمج الباحثون بينهما في إطار أوسع أطلقوا عليه القيادة الأصيلة. ولا شك أن مفهوم الأصالة يعني أن يكون الإنسان ذاته وأن يكون سلوكه منسجما مع أقواله ومعتقداته وقيمه، بمعنى أن لا يكون نسخة مكررة عن شخص آخر أي مزيفا أو مقلدا.
[1].Bruce J.Avolio, Fred O.Walumbwa, and Todd J.Weber. Leadership :Curren Theories, Research, and Future Directions
[2]نورث هاوس القيادة الإدارية النظرية والتطبيق 2018،ص204
[3] نفس المرجع
[4]Fred Walumbwa et al : Authentic Leadership Development and Validation of a Theory-Based Measure 2008
[5] Avolio . et al : Leadership Current Theories, Research, and Future Directions 2009
Discutez avec nous