نظرية عدم النضج والنضج

من خلال دراسته للمنظمات الصناعية الأمريكية وضع كريس أرجريس Chris Argyris (1962)  نظرية تعرف باسم نظرية عدم النضج  والنضج. فما هو المقصود بعدم النضج  والنضج ؟  وما علاقة ذلك  بالممارسات الإدارية على سلوك الأفراد ونموهم الشخصي داخل بيئة العمل؟  وما علاقة عدم النضج والنضج بالقيادة؟

ترتبط نظرية عدم النضج والنضج بتطور شخصية  الانسان التي يرى أرجريس انها  تنتقل من حالة عدم النضج إلى حالة النضج.  فعدم النضج يرتبط بمرحلة الطفولة ويتجلى في سبع سمات  أساسية وهي : السلبية ، والإعتمادية ، ومحدودية طرق السلوك، والنظرة القصيرة ، ووضعية التبعية، وعدم الوعي بالذات. أما النضج فيرتبط بمرحلة الرشد ويتجلى في بسبع سمات وهي : الإيجابية،  والاستقلالية ، وتعدد طرق السلوك ، والنظرة البعيدة،  ووضعية الرئاسة،  والوعي بالذات ، والقدرة على التحكم فيها. ولتوضيح الفكرة وضع أرجريس  نموذجا يجمع  فيه بين مميزات عدم النضج على الطرف الأيمن  ومميزات النضج على الطرف الأيسر وذلك على الشكل التالي:

 يتبين من الجدول أعلاه أن شخصية الإنسان تعرف سبع تغيرات أساسية في انتقالها من حالة عدم النضج (كأطفال) إلى حالة النضج (كراشدين)، ذلك أن الشخص ينتقل أولا، من حالة السلبية إلى حالة النشاط المتزايد، ثم ينتقل ثانيا ، من حالة الاعتماد على الآخرين إلى حالة الاستقلالية النسبية، ثم الحالة الثالثة التي ينتقل فيها الشخص من حالة  التصرف المحدود إلى حالة التصرف بأشكال متعددة، كما يلاحظ أن الشخص  كطفل  في الحالة الرابعة تكون له اهتمامات قليلة وسطحية أما عندما يصير راشدا فتصبح له اهتمامات أعمق وأقوى ، وفي الحالة الخامسة تكون للشخص كطفل نظرة قصيرة المدى تنحصر فقط في الحاضر ، أما عندما يصبح راشدا ويزيد نضجه فإن نظرته تتسع وتمتد إلى الماضي والمستقبل. وسادسا يلاحظ أن الشخص كطفل  يكون تابعا للآخرين ولكن عندما يصبح راشدا ينتقل إلى مواقع مساوية لمواقع الآخرين أو أعلى منها، وأخيرا يلاحظ أن الناس كأطفال يفتقدون الوعي بالذات أما كراشدين فهم لا يصبحون فقط واعين بذواتهم بل  قادرين على التحكم فيها.

و بناء على ما سبق يرى أرجريس أن الممارسات الإدارية المتبعة في المنظمات (المؤسسات) تحول دون نضج العاملين بها؛  فهي لا تسمح لهم إلا بأقل ما يمكن للتحكم في بيئتهم ،  وتشجعهم على السلبية والاعتمادية ، والتبعية . ففي كثير من المؤسسات يتوقع من العاملين بها أن يتصرفوا بشكل غير ناضج. ويوضح أرجريس أن ذلك لا يحدث فقط في المؤسسات الصناعية بل إنه قد يحدث في المدارس ، حيث يخضع معظم التلاميذ لعدد كبير من التعليمات والقوانين مما يحول دونهم ودون الوصول إلى مرحلة النضج الكامل. وهكذا فقد لاحظ ارجريس وجود صراع جوهري بين المنظمة  والفرد. فمن طبيعة المؤسسة ان تهيكل ادوار أعضائها و تراقب أداءهم حرصا منها على تحقيق أهداف محددة. ومن طبيعة الفرد أن يكون موجها لذاته وان يسعى إلى الانجاز من خلال ممارسة المبادرة والمسؤولية.

اما عن علاقة نظرية عدم النضج والنضج بالقيادة فقد حددها ارجريس في اسلوب سلوك القائد حيث بين أن سلوك القائد  يتوقف على نضج الاتباع. فإذا كان التابع ناضجا فسلوك القائد يجب ان يتميز بالتقليل من التركيز على هيكلة المهمة وزيادة التركيز على الاعتبار أي على العلاقات الإنسانية ، وكلما زاد نضج التابع ، كلما زاد التقليل كذلك من التركيز على الاعتبار ذلك أن استعمال أسلوب القيادة الذي يركز على الاهتمام بالعاملين وعلى حاجاتهم ومشاكلهم ويقلل من الرقابة عليهم قد يساعد العاملين على الإحساس بالطمأنينة والاستقرار مما يؤدي بالتالي لزيادة نموهم وتطورهم وانتقالهم من حالة عدم النضج إلى حالة النضج. وبالمناسبة نشير إلى أن النضج  يعرف من حيث خبرة التابع ودافعيته  للإنجاز، ورغبته وقدرته على قبول  المسؤولية