ما هي التبعية  وما هي طبيعتها؟

Followership

ارتينا أن نتوقف، في هذا  المحور، عند تعريف التبعية لنري ماذا يعني بالضبط مفهوم التبعية وما هي طبيعتها ومدي ضرورة التشبث باستعمال المصطلح أو التخلي عنه وتعويضه بمصطلح أخري.     

وفي هذا الإطار نجد روبرت كيلي[1] يوضح  بأن كلمة تابع follower ترجع في أصلها إلى اللغة الألمانية القديمة. فكلمة follaziohan تعني: ساعد، أعان، أغاث، أو سهر على رعاية. ففي المعنى الأصلي، نجد أن الأتباع هم الذين يساعدون في العناية بالقادة، حيث كانت العلاقة بين القائد والأتباع علاقة تعايش بين متكافئين (The Power of Leadership, 1992, p. 34 )

ومع مرور الزمن أصبحت كلمة تابع follower تعني ” أن تسير أو تكون فردا في مجموعة ” كما هو الشأن في الحشد. كما أن الأشخاص الذين يكونون في حاشية “القائد”، نبياً كان أو ملكا،  يسمون أتباعا  وهذا لا يدل على أي مقام دوني بقدر ما هو شرف.  فموقع التابع يجعل صاحبه يكسب الهيبة ولا يضيعها ولم يتخذ كل من مصطلح “قائد” ومصطلح “تابع” معناهما الضمني المتداول إلا في المائة سنة الأخيرة فقط.  ويري كيلي أن أسطورة التبعية السلبية ترجع في أصلها إلى عمل الداروينية الاجتماعية ؛ ففكرة “البقاء للأصلح” تعتبر الصراع والمنافسة أمرين طبيعيين، وصالحين، وصائبين. واعتبرت المنتصرين، بالتعريف، هم القادة، والمنهزمين هم الباقون. وهكذا غرست الداروينية قيم ذات حمولة ثقافية في مصطلحي “تابع” و “قائد”. كما كونت طبوغرافية خاطئة وتراتبية، كما لو أن القادة هم فقط المهمون  بينما الباقي 90 إلى 99 في المائة  من الناس  يوجدون في مرتبة أقل أهمية.(kelley,1992)

وفي المقال الذي كتبه كيلي عن الأتباع سنة 1988 تحت عنوان “في مدح الأتباع” (In Praise of Followers )[2] نجده يوضح أن”التبعية ليست شخصا بل إنها دور، وأن ما يميز الأتباع عن القادة ليس هو الذكاء أو الصفات بل هو الدور الذي يلعبونه”. ثم يضيف قائلا: “بدل أن ننظر إلى دور القيادة كدور أعلى وأكثر نشاطا من دور التابع يمكن التفكير في الدورين على أنهما متكافآن لكن أنشطتهما مختلفة.  والتعريفان السائدان هما التاليين:

فالأشخاص الذين يمارسون دور القادة بفعالية فيتميزون بمجموعة من الخصائص منها:

  • الرؤية لتحديد أهداف المنظمة واستراتيجياتها،
  • المهارات بينشخصية للوصول إلى اتفاق في الرأي
  • القدرة اللفظية لخلق الحماس في جماعات واسعة ومتنوعة
  • القدرة التنظيمية للتنسيق بين مختلف الجهود
  • الرغبة في القيادة.

أما الذين يمارسون دور التبعية بفعالية فيتميزون بالصفات التالية:

  • البصيرة والقدرة الاجتماعية للعمل بشكل جيد مع الآخرين
  • قوة الشخصية للتطور دون أن يكونوا في مواقع القيادة،
  • التوازن الأخلاقي والسيكولوجي لتحقيق أهداف شخصية وتنظيمية
  • الرغبة في المشاركة في عمل الفريق من أجل تحقيق هدف مشترك عظيم.

أما كيلمان Kellerman فتعرف الأتباع بأنهم “المرؤوسون الذين لهم سلطة شخصية، وسلطة منصب، وتأثير  أقل، من رؤسائهم” وذلك بناء على  الرتبة التي يحتلونها. وتؤكد على أن التبعية كما استعملتها في  كتابها تعني  “استجابة الذين  يوجدون في موقع المرؤوسين (الأتباع) للأشخاص الذين هم في موقع الرئاسة (القادة). وتتضمن التبعية علاقة بين المرؤوسين والرؤساء، واستجابة (سلوك) الأول للثاني”.

وهناك من يري[3]  أن سوء فهم  التبعية راجع إلى وجود مجموعة من الأفكار الخاطئة عن التابع والتي تجد مصدرها في مصطلحات اللغة، و يستدل على ذلك  بقاموس ويبستير (Webster’s New  Collegiate Dictionary  1979) الذي يعرف التابع بأنه “الذي في خدمة آخر،  الشخص الذي يتبع أفكار أو تعاليم شخص آخر؛ أو الشخص الذي يقلد شخصاً آخر.” ويضيف هيغ موضحا “عند النظرة الأولي يبدو هذه التعريف معقولاً إلا أنه يعني ضمنياً أن التابع ينبغي أن لا يفعل شيئاً حتى يتلقى توجيهات صريحة من القائد وحينئذ عليه أن يتبع تلك التوجيهات دون مناقشة.  ويعلق على ذلك قائلا “رغم أن التنفيذ غير المناقش والمباشر لتوجيهات القائد قد يكون مهماً في بعض الأحيان، ففي عدد من الحالات الأخرى يحتاج التابع إلى لعب دور أساسي لإنجاز المهمة”. كما يصف التعاريف السابقة بالجامدة لأنها تتجاهل حقيقة أن الأفراد غالباً ما يلعبون عدداً من أدوار القيادة والتبعية. وإذا كانت هذه التعاريف غير دقيقة فما هو التعريف الدقيق الذي يقترحه هيغ للتبعية؟ جوابا على ذلك يقول هيغ بما أن معظم الأشخاص هم غالبا  ما يلعبون دور القادة ودور الأتباع في حياتهم اليومية فمن الطرق التي تمكن من التمييز بين القيادة والتبعية هي التفكير في الأدوار التي يلعبها الأشخاص في مختلف جماعات العمل، فمعظم الناس غالباً ما يلعبون عدداً من أدوار القيادة والتبعية.” وهنا نجد هيغ يناصر وجهة نظر  كيلي الذي يعتبر التبعية دورا وليست شخصا.

 

ونشير في هذا الصدد إلى أن بعض  الدارسين يعرفون القيادة بناء على نظرية الدور حيث يرون أن “القيادة هي تفاعل بين شخص وأعضاء في جماعة، فكل مساهم في هذا التفاعل يلعب دورا محددا، وهذه الأدوار تختلف من شخص إلى آخر، وأساس الاختلاف بين الأشخاص هو مسألة التأثير- حيث أن القائد يؤثر والآخرون يستجيبون”[4] (الغرارى 2006، ص. 30 ).

 

يتضح ،من التعريفات المقدمة أعلاه ، التداخل الكبير بين كل من القيادة والتبعية رغم اختلاف دور كل من القائد والأتباع. وهذا التداخل هو ما حاول عدد من الباحثين والمنظرين توضيحه من خلال تحليل طبيعة العلاقة بين القيادة والتبعية.

 

فبالرجوع إلى كيلي نجده يؤكد على العلاقة القوية بين القيادة والتبعية ويقول:”في الواقع إن التبعية والقيادة هما مفهومان منفصلان، ودوران منفصلان، وهما طريقان متكاملان لا متنافسين في العمل التنظيمي  فالنجاح الأكبر يقتضي أن يصل الأشخاص في الدورين معا إلى القمة في الانجاز. وأننا في حاجة إلى قادة عظام و أتباع عظام.  كما يري كيلي أن القيادة والتبعية جدليتان تماما مثل كلمة “يمين”التي لا معنى لها بدون كلمة “يسار”حيث أن وجود ومعنى كل منهما يتوقف على الآخر ولا يمكن أبداً أن يكونا مستقلين. لكن على خلاف يمين ويسار فليس من السهل دائما التمييز بين من يقود ومن يتبع. (Kelley, 1992)

كما يوضح كيلي أن تشبث الأمريكيين باستعمال كلمة “قيادة” يحتم الاحتفاظ باستعمال كلمة “تبعية” فبدون أتباع لا يوجد قادة ولا يكون للقيادة أي معنى. ويري أن  مرادفات: الإتباع – شركاء، زملاء العمل ، الرفاق ، أعضاء الفريق لا تعبر عن كيفية ارتباط القادة والأتباع بعضهم بالبعض. فكما أنه لا يمكن وجود زوج بدون زوجة، وابن بدون أبوين، أو مدرس بدون تلاميذ، فإن القادة والأتباع يتوقف وجودهما ومعناهما على بعضهما البعض.

و الأكثر من ذلك نجد روبرت كيلي يعطي مكانة هامة للأتباع في الحفاظ على النسيج الاجتماعي. حيث  يؤكد   على أن “النسيج الاجتماعي الأمريكي يتوقف على التبعية التي بدونها سينفك المجتمع. فبنية الأسرة تحتاج إلى أطفال يتبعوا آباءهم، كما أن الديمقراطية الأمريكية ستتوقف إذا لم يتبع المواطنون القادة الذين انتخبوهم.” وبناء عليه فإن السؤال الذي ينبغي طرحه ليس هو هل نريد أن يكون لنا أتباع بل ما هو نوع الأتباع الذي نريد؟ ويجيب كيلي على ذلك بان نوع التابع الذي يريده هو التابع الجيد. (Kelley, 1992)  

أما كيلرمان [5] فتصرح  بأنها – بناء على تجربتها –  تعرف أن الحدود بين الرؤساء ومرؤوسيهم لا تكون دائما واضحة. فأحيانا يتبع القادة، وأحيانا يقود الأتباع. كما أن دور القائد والتابع يتغير باستمرار، فالشخص يكون أحيانا قائدا وأحيانا تابعا. كما أن عددا من الأشخاص هم في نفس الوقت رؤساء ومرؤوسين.  وأننا جميعا نكون أولا أتباعا؛ ففي الطفولة نكون أتباعا للأشخاص الذين نعتمد عليهم، ثم بعد ذلك نتبع القادة قبل أن نقود الأتباع.  

كما يؤكد  باص [6] من جهته على التشابه الكبير بين القيادة والتبعية وبين القادة والأتباع مصرحا  بأنه لا يمكن أن يوجد قادة بدون أتباع، كما لا يمكن أن يوجد أتباع بدون قادة. فالقادة والأتباع يتبادلون الأدوار في أوقات مختلفة وفي بيئات مختلفة. كما أن كثيرا من الناس يكونون، في نفس الوقت، قادة وأتباعا.

يتضح مما سبق أن كلمة تبعية كما هي مستعملة في دراسة القيادة لا يقصد بها ذلك المفهوم اللغوي الصرف الذي يتضمن نوعا من التنقيص والسلبية والثانوية بل إنها مفهوم يعبر عن الطرف الثاني في عملية القيادة، ويعطي للقيادة معناها ومضمونها ويحدد أسلوبها. فالقيادة لا تتم في فراغ بل داخل جماعة من الناس. وعليه فإن توقعات الأتباع وسماتهم الشخصية ومستويات نضجهم، ومستويات قدرتهم، ودوافعهم تؤثر في عملية القيادة بشكل كبير. وعليه فنحن لا نري حرجا في استعمال مصطلح تبعية/ أتباع على أساس أنه المصطلح الأكثر تعبيرا عن العلاقة القائمة بين القائد والآخرين الذين يلعبون دورا حيويا في عملية القيادة والذين بدونهم لا يمكن الحديث عن القيادة. لكن مع ضرورة الحرص على النظرة الإيجابية إلى الأتباع واعتبارهم قوة فاعلة في التأثير على القادة، وربما بشكل أكبر أحيانا من تأثير القادة عليهم.

وإذا سلمنا بأن القادة لهم أساليب مختلفة في القيادة فماذا عن الأتباع و التبعية؟ هل جميع الأتباع لهم سلوك واحد أم  لهم سلوكات مختلفة ؟ وهذا ما سنناقشه في  مقال لاحق إن شاء الله.

[1] Robert, Kelly. 1992. the Power of Followership.

[2] William E. Rosenbach and Robert L. Taylor.  Contemporary  Issues in Leadership, 1989

[3] Hughes, Richard and all. Leadership : Enhancing the Lessons of Experience. 1999

[4]  الغراري، حليمة ، 2006 . القيادة  نظرياتها وتطبيقاتها: نموذج التدريس الموقفي

[5] kellrman , Barbara. 2008. Followership.

[6] Bass, Bernard.1990. Bass and Stogdill’s Hand book of Leadership