Johari Window and Leadership
تتعرض بعض أدبيات القيادة ،التي اطلعنا عليها، للحديث عن “نافذة جوهاري” ضمن مواضيع مختلفة فبعض المؤلفين يدرجها ضمن أدوات اعتناء القائد بذاته – وذلك بجانب حرص القائد على إيجاد التوازن في حياته، وفهم فرضياته وأفكاره المسبقة، وتدبير ردود فعله الدفاعية، وتدبير الإرهاق. وهؤلاء يرون أن نافذة جوهاري تساعد على توضيح جوانب الشخصية (الاهتمامات، القيم ، ووجهات النظر)، كما أنها تساعد الناس على التفكير في كيفية ارتباطهم بالآخرين وبحاجتهم إلى معرفة أنفسهم وكيف يكونوا منفتحين لقبول تغذية مرتدة من الآخرين[1]
أما ستيفن روبينز فيعرض نافذة جوهاري كحالة للتفاهم المتبادل حيث تطرق لها في الفصل الخاص بالتواصل مؤكدا على أن نافذة جوهاري هي نموذج شائع يستعمله المختصون في التكوين لتقييم وتصنيف أساليب التواصل ويري أن جوهر النموذج هو الاعتقاد بأن التفاهم المتبادل يحسن التواصل.[2]
في حين نجد بول هرسي يتعرض للحديث عن نافذة جوهاري أثناء معالجته لموضوع بناء علاقات فعالة ويعتبر النموذج إطارا مفيدا في تحليل المعطيات والتغذية المرتدة. وقد استعمل بول هرسي نافذة جوهاري في وصف شخصية القائد، التي يري أنها تتكون من نظرة القائد الذاتية ونظرة الآخرين إليه.
فما هي إذن نافذة جوهاري؟ وما هو شكلها؟ وكيف تطبق في مجال القيادة؟
تعريف مصطلح نافذة جوهاري
نافذة جوهاري Johari، هي مصطلح مكون من الحروف الأولي لواضعيه: جو ليفت Joe Luft و هاري إنكمان Harry Ingham (1955) ويشير هذا المصطلح إلى “الذات” و”الآخرين”. ويقصد ب”الذات” الشخص الذي يكون ،مثلا، موضوع تحليل نافذة جوهاري. أما “الآخرون” فيقصد بهم الناس الذين يوجدون في فريق أو جماعة ذلك الشخص. ونافذة جوهاري نموذج شائع الاستعمال في فهم وتكوين الوعي الذاتي، والتنمية الشخصية، وتحسين التواصل، وفي العلاقات بيشخصية، ودينامية الجماعة، كما أنها نموذج للتأثير والقيادة.
و يتخذ النموذج شكل نافذة تتكون من أربعة ألواح زجاجية، أو مربعات (أو مناطق، أو أنماط،) “وكل منطقة تحدد نوع ومدي معرفة الفرد لنفسه وللآخرين من خلال طريقة إدراكه. وتوضح هذه الأنماط درجة الانفتاح: أي مدى معرفة الإنسان (الفرد) لنفسه ومعرفته للآخرين من حوله”[3]
شكل نافذة جوهاري
كما يدل عليه اسمها فهذه الأداة تتخذ شكل نافذة تتكون من أربعة ألواح زجاجية او أربــع مناطق وهي :
ويوضح الشكل التالي أدناه المناطق الأربعة في نافذة جوهاري:
[1] ENCYCLOPEDIA 0F LEADERSHIP, MURRAY HEIBERT & BRUCE KLATT,2001
[2] Organisationnel Beauvoir, Stephen Robbins , 1996
[3] العديلي (ناصر محمد)، 1995، السلوك الإنساني والتنظيمي
ويوضح الشكل التالي أدناه المناطق الأربعة في نافذة جوهاري
لقد استعمل بعض الباحثين[4] نافذة جوهاري لوصف أربعة أنواع من القيادة وهي كالتالي:
النافذة المثالية (القائد المنفتح) وتتميز بوجود منطقة كبيرة معروفة ومفتوحة (منطقة النشاط الحر، أو الذات المنفتحة، أو المنطقة العامة). وتشتمل هذه المنطقة على معلومات- عن الشخص: سلوكه، مواقفه، مشاعره،عواطفه ومعرفته ومهاراته – يعرفها الشخص (الذات) وتعرفها الجماعة (الآخرون). وهذا القائد يكون منفتحا في تواصله معا لآخرين،غير دفاعي، واعيا بذاته وله رغبة في اقتسام المعلومات، والأفكار والمشاعر مع الآخرين. إلا أنه تجب الإشارة إلى أن تقاسم المعلومات وتشاركها ينبغي أن يكون بمقدار وحسب الحاجة وإلا سيصبح سذاجة، وقد يشكل خطرا علي المؤسسة.
[4] ENCYCLOPEDIA 0F LEADERSHIP
القائد السائل:
يتميز هذا القائد بوجود لائحة زجاجية واسعة للمظاهر الخارجية/المختفية. وهي تشتمل على ما يعرفه الشخص عن ذاته لكنه يخفيه، ولذلك فالآخرون لا يعرفونه. وتمثل هذه المنطقة الخفية/ أو الذات التي يتم تجنبها، المعلومات والمشاعر والمخاوف، والأسرار، والنوايا وأي شيء يعرفه القائد عن نفسه لكنه لا يبوح به لأي لأحد مهما كان السبب خوفا من أن يقلل الآخرون من شأنه أو أن يستعملوا ما عرفوا عنه ضده. فهذا القائد يمنعه الخوف من تبادل وجهات النظر أو المعلومات مع عموم الناس. كما أن المنطقة الواسعة للجوانب /الخفية تجعل القائد يطرح أسئلة (على الآخرين) لكنه يمسك عن إبداء وجهة نظره، واهتماماته، وحاجاته، ويترك الآخرين يتساءلون عن أصله ومفصله.
ألقائد الأهوج أو عديم الكياسة :
يتميز هذا النوع من القادة بوجود نقطة عمياء واسعة، فالقائد ينقصه الوعي بدوافعه وتأثيره.لكن المهزلة أن الآخرين قد يرون ذلك بشكل واضح. في هذه المنطقة يبدو القائد متملصا (مراوغا)، ومنقطع الاتصال مع الآخرين. فهو،مثلا، قد يعطي تغذية مرتدة للآخرين لكنه لا يرحب بتغذية مرتدة منهم، أو يتجاهل التغذية المرتدة التي قدمها له الآخرون أو يقلل من شأنها.
القائد السلحفاة :
يتميز هذا النوع من القادة بوجود مساحة (أو لوحة زجاجية) واسعة من المجهول،وتعرف بمنطقة النشاط غير المعروف، أو المنطقة غير المعروفة. وهي تتكون من المعلومات والمشاعر، والاستعدادات الكامنة، والخبرات إلخ... التي لا يعرفها الشخص ولا يعرفها الآخرون في الجماعة. وتتخذ هذه الأمور غير المعروفة عدة أشكال؛ فهي قد تكون، مشاعر أو سلوكات، أو مواقف أو قدرات، قريبة جدا من السطح وإيجابية ومفيدة، أو قد تكون جوانب أكثر تجدرا في أعماق شخصية الفرد وتؤثر على سلوكه بدرجات مختلف.
فهذا القائد (السلحفاء) يكون غير واع بدوافعه ويترك الآخرين يتساءلون لماذا يفعل (القائد) ما يفعله. فهو لا يقدم معلومات عنه يمكن أن تثير رد فعل الآخرين، وبذلك فهو يبدو كأنه مغلف بقشرة مثل السلحفاة. ونذكر بأن هذه المنطقة تسمي في علم النفس الفرويدي منطقة اللاوعي أو اللاشعور. لكن معظم ذلك الجزء من شخصية القائد التي تسمي مجهولة يكون له تأثير على أنواع السلوكات التي يسلكها القائد عندما يحاول التأثير على سلوك الآخرين.
بعد أن تعرفنا على شكل نافذة جوهاري وتطبيقها في مجال القيادة فالسؤال الذي يجب أن يطرح هو :هل يمكن تغيير شكل النافذة وبأي وسيلة؟ يحيلنا هذا التساؤل إلى الحديث عن التغذية المرتدة والبوح.
تؤثر كل من عملية التغذية المرتدة وعملية البوح على تشكيل المناطق الأربعة في نافذة جوهاري. فكيف يتم ذلك؟
التغذية المرتدة
تساعد التغذية المرتدة القائد على أن يري نفسه كما يراه الآخرون ، كما أنها تساعد الآخرين أن يروا أنفسهم كما يراهم القائد. ولذلك فالتغذية المرتدة تعتبر أداة أساسية بالنسبة للقيادة الفعالة.
والتغذية المرتدة ، كما يعرفها بول هيرسي[5] هي مدي رغبة الآخرين، في المنظمة، في التقاسم مع القائد،والانفتاح عليه، وصدق القول معه. وهي كذلك مدي محاولات القائد فهم المعلومات اللفظية وغير اللفظية التي يعبر عنها الآخرون.
وكما هو واضح من الشكل أدناه كلما زادت التغذية المرتدة داخل المنظمة كلما أخذت المنطقة العامة للقائد في التوسع والمنطقة العمياء في التقلص، وبالتالي تصبح المنطقة العمياء للقائد أصغر. ويجب التأكيد بأن القائد الذي لا يحصل تغذية مرتدة من أعضاء الجماعة تصبح منطقته العمياء كبيرة وتضر مستقبلا بفعاليته داخل التنظيم الذي يقوده
[5] Hersey, Paul, Kenneth Blanchard, and Dewey Johnson.2001. Management of Organizational Behavior
البوح
العملية الثانية التي تؤثر على تشكيل نافذة جوهاري هي البوح بالسر. وهي مدي رغبة القائد في تقاسم معلومات خاصة به مع الأخريين في المنظمة. ويوضح بول هيرسي “أن البوح بالسر الأكثر ارتباطا بالموضوع ليس هو ما يقوله الآخرون عن أنفسهم بل بالأحرى هو سلوكهم. إذا أردت أن تفهم الناس بشكل أحسن، فيجب أن تنظر إلى سلوكهم لتدرك قيمهم وما يمثله سلوكهم.” ويضيف نفس العالم مبينا أن البوح بالسر يكون مناسبا في المنظمات فقط عندما يكون مفيدا من الناحية التنظيمية مع التأكيد على أن البوح الذي يكون مناسبا في مؤسسة قد لا يكون مناسبا في مؤسسة أخري. وهذا يذكرنا بأساليب القيادة الموقفية التي تري أن أسلوب القيادة يجب أن يختلف حسب المواقف، وأن الأسلوب المناسب لموقف ما قد لا يكون مناسبا في موقف آخر.وهذا فيه تأكيد لحكمة “لكل مقام مقال”.
وفي عملية البوح بالسر كلما كانت المعلومات التي يبوح بها القائد حول طريقة تفكيره أو سلوكه في الصميم كلما زاد انفتاح المنطقة العامة على المنطقة الخاصة وكلما أصبحت هذه المنطقة الأخيرة أصغر.
الخلاصة التي يمكن التأكيد عليها هي أن كل شخص، وخاصة القائد، مطالب بأن يعمل على توسيع منطقته المنفتحة وزيادة مساحتها ، وأن يحرص ، كذلك، علي مساعدة الأشخاص التابعين له على تقليص مناطقهم العمياء وتوسيع مناطقهم المنفتحة، بالاستعمال الجيد لكل من آلية التغذية المرتدة والبوح.
Discutez avec nous