أساليب التبعية

 رأينا عند دراستنا للقيادة أن الباحثين يميزون بين عدد من أساليب القيادة وأن هذه الأساليب تتعدد وتتنوع بتنوع الباحثين والدارسين.وأن كل أسلوب يتميز عن الآخر في درجة التأثير على أداء الأتباع وعلى درجة شعورهم بالرضا عن العمل. وإذا كانت الدراسات السلوكية تبحث عن أحسن أسلوب للقيادة فإن الدراسات الموقفية أكدت على عدم وجود أسلوب أحسن صالح في جميع الحالات وأن أساليب القيادة تختلف حسب المواقف والظروف التي يعمل فيها القائد. وإذا سلمنا بأن القادة لهم أساليب مختلفة في القيادة فماذا عن الأتباع و التبعية؟ فهل جميع الأتباع لهم سلوك واحد أم  لهم سلوكات مختلفة ؟

 بالرجوع إلى الدراسة التي قام بها كيلي[1] على الأتباع في منظمات مختلفة تمكن من تحديد أساليب مختلفة للتبعية. فبناء على بعدين أساسين للتبعية ميز بين خمسة أساليب للتبعية . فما هي أبعاد التبعية؟ وما هي أساليبها؟

  • أبعاد التبعية

 ميز كيلي بين بعدين أساسيين للتبعية هما بعد التفكير المستقل النقدي ، وبعد  فعالة التابع. فما هي مميزات كل بعد؟

البعد الأول هو  التفكير المستقل النقدي.  فقد وصف التابع الأحسن بأنه الشخص الذي “يفكر شخصيا” “ويقدم نقدا بناء”وبأنه “مبدع وخلاق”.(مثل أدلير الذي كان تابع لأستاذه فرويد وكان يخالفه في الرأي وهذا ما دحض الاعتقاد بأن التبعية الجيدة تعني الاتفاق في الرأي مع القائد).

وفي الطرف الآخر من الخط يوجد التابع الأسوأ، وهو الذي” يجب أن يقال له ما يفعل”، والذي “لا يستطيع أن يفعل شيئا من تلقاء نفسه” و” لا يفكر شخصيا”.

أما في  وسط الخط  فيوجد التابع النمطي ” الذي يأخذ التوجيه” و” لا يتحدى القائد أو الجماعة. ويوضح الشكل  أسفله هذه الأنواع الثلاثة من الأتباع.

               التابع الأحسن ـــــــــــــــــــ التابع النموذجي ـــــــــــــــــــــــــــ التابع الأسوأ

البعد الثاني هو بعد الالتزام الفعال للتابع. فقد وصف أفضل تابع بأنه الذي” يأخذ المبادرة” و”يشارك بنشاط”، “ويبادر من تلقاء نفسه” و” يتجاوز ما هو مطلوب منه” أما التابع الأسوأ  فقد وصفه بأنه   “سلبي” و”كسول” و” يحتاج إلى مراقبة مستمرة” و”يتنصل من المسؤولية”. في حين وصف التابع النموذجي بأنه هو الذي ” يقوم بالعمل دون إشراف بعدما يقال له ماذا يفعل”.

  • أساليب التبعية

وعلى أساس هذين البعدين: التفكير المستقل النقدي، والالتزام الفعال ميز كيلي بين خمسة أسالب للتبعية وذلك كما يبدو في الجدول التالي:

وبعدما حدد كيلي أساليب التبعية الخمسة أعطي وصفا مدققا لكل أسلوب على حدة وهذا ما سنعرضه باختصار في الفقرات التالية:

التابع المنسحب: يمثل التابع المنسحب الجرح المتقيح في المنظمة، فهو مستاء على الدوام ويتحدث عن الجوانب السلبية في أهداف المنظمة، وسياساتها، وتدابيرها ـ ويتغاضى عن الجوانب الإيجابية فيها.وقد لاحظ كيلي أن هذا الأسلوب يمثل ما بين 25 – 15 في المائة من الأتباع، والشخص المنسحب هو الذي تكون له القدرة لكنه يكون مستخفا، وغالبا ما يمسك عن بذل أحسن جهوده أو قد يدعن على مضض وغالبا ما تكون نظرة التابع المنسحب لنفسه شديدة الاختلاف عن نظرة القائد إليه. فالتابع المنسحب غالبا ما يصف نفسه بأن “الضمير الحقيقي للمنظمة” أما القائد فغالباً ما ينظر إليه على أنه مزعج، ومستخف، وسلبي. ويعتقد كيلي أن الأتباع المنسحبون غالبا ما يكونوا أتباعا مثاليين، لكنهم يصبحون ساخطين عن الوضع نتيجة لبعض العراقيل.  

 

التابع الإمتثالي: هو الذي يقول” نعم” فهو تابع فعال مستعد لتنفيذ الأوامر دون نقد.  وهو على عكس التابع السلبي تكون له درجة عالية في المساهمة الفعالة لكن مع درجة منخفضة بالنسبة للتفكير المستقل النقدي، وهو غالبا ما يكون متلهفا لتلقي الأوامر والخضوع لسلطة القائد والاستسلام لآرائه وأحكامه، كما أنه يجد الراحة في الهيكلة والنظام. وعموما فإن التابع الإمتثالي يتقبل المهام المسندة إليه بسهولة ويقوم بعمله بفرح ويضحي بحاجاته وأفكاره من أجل مصلحة المنظمة. وغالبا ما يكون هذا الأسلوب نتيجة للأسلوب السلطوي للقائد أو نتيجة للهيكلة الصارمة للمنظمة. إلا أن الإمتثالية لا تضيف إلا قيمة قليلة لعالم اليوم السريع التغير والذي أصبح في حاجة ملحة إلى آراء متباينة وأساليب مختلفة للتوصل إلي حلول خلاقة للمشاكل المعقدة التي تقف أمامها المجموعات المتجانسة حائرة.

التابع العملي (البرجماتي): يوجد التابع العملي  في وسط الطريق، فهو يري  الجوانب الإيجابية لأسلوبه في التبعية تتمثل في انسجامه مع الرياح المتقلبة لسياسة المؤسسة، ومعرفته  كيفية تشغيل النظام لجعل الأشياء تقع، والحفاظ على الأمور في مكانها الحقيقي، واللعب بالقوانين والتعليمات. أما الآخرون فيؤولون أحيانا هذه الصفات تأويلا سلبيا وينظرون إلى التابع العملي على أنه يلعب ألعابا سياسية، ويساوم من اجل الوصول إلى أقصى حد من مصالحه الخاصة ، وأنه بيروقراطي يتمسك بالتنفيذ الحرفي للقوانين بدل الجانب الروحي  

 

وقد يتبني الشخص هذا الأسلوب للتبعية نتيجة لسياسة المنظمة أو لأسلوب القيادة. فعدما تصبح المنظمة غير مستقرة فالتابع غالبا ما يتشبث بأسلوب البقاء على قيد الحياة وسط  الحيرة والمعنوية المخمدة. كما أن أسلوب القيادة قد يشجع على ظهور الأسلوب العملي للتبعية. فالقائد الذي لا يظهر شخصيته الحقيقية والذي يضع مسافة عاطفية بعيدة بينه وبين أتباعه قد يجد أن أتباعه لا يلزمون أنفسهم بطريقة أو بأخرى.  

 

التابع السلبي: هو نقيض التابع النموذجي. فالتابع السلبي ينتظر من القائد أن يفكر له، ولا يقوم بمهامه بحماس، وتعوزه  المبادرة والإحساس بالمسؤولية، ويطلب باستمرار التوجيه للقيام بالمهام المسندة إليه ولا يغامر أبدا بالذهاب إلى أبعد من ذلك. ويمثل هذا النوع مابين 5 إلى 10 في المائة من الأتباع. أما عن أسباب تبني الأسلوب السلبي للتبعية فيرد كيلي ذلك إلى شخصية التابع. فهو يصف التابع السلبي بأنه كسول، وغير كفء، وخامل، أو بليد، ولا يستطيع التمييز بين نص الأوامر وروحها. وفي أقصى الحالات فإن التابع السلبي قد يتميز بغريزة القطيع ــــ مثل الغنم ــــ بحيث أنه يتبع الجماعة دون أن يعرف لماذا. إلا أن كيلي يصرح بأنه من خلال التجربة والبحث قد توصل إلى أن عددا من الأتباع السلبيين هم ببساطة الأشخاص الذين لم يطوروا مهارات التبعية. ويعتبر توقعات القائد من بين الأسباب في تبني هذا الأسلوب في التبعية. فالقائد الذي يعامل الأتباع كخرفان غالبا ما يحصل على ما يتوقعه منهم خاصة إذا لم يعترف بأفكارهم ودوافعهم ولم يكافئهم على ذلك.[2]    

 

التابع النموذجي: يتميز التابع النموذجي عن غيره من الأتباع بكونه يجيد البعدين الأساسين للتبعية. فمن جهة يستعمل التفكير المستقل النقدي، ومن جهة أخري  يلتزم بشكل فعال، ويستعمل مواهبه في مصلحة المنظمة حتى عندما تواجهه سخافات البيروقراطية أو زملاء غير منتجين. ويصف القائد وزملاء العمل التابع النموذجي بأنه يفكر ذاتيا و يبتكر ويبدع ، ويقدم نقدا بناء ويتحدى القائد، ويأخذ المبادرة ويتحمل المسؤولية ويشارك بنشاط، ويساند القائد وفريق العمل ويتمتع  بكفاءة عالية ولا يقف عند العمل المسند  بل يتعداه ويتجاوزه.

 وهكذا فالتابع النموذجي يوازن بين هذين المطلبين: التفكير المستقل النقدي والالتزام الفعال. فالتفكير المستقل بدون التزام فعال قد يجعل الأشخاص الذين لهم أفكار عظيمة عاجزين عن تنفيذ تلك الأفكار أو يصبحوا أتباعا ساخرين أذكياء يضايقون القائد. كما أن الالتزام الفعال دون تفكير مستقل قد يجعلنا أمام أشخاص يقولون “نعم” ويقبلون الأوامر كيفما كانت بدون نقد. في حين أن التابع النموذجي الذي يستعمل المهارتين معا، يحصل على تقدير كل من القائد والمنظمة. كما التابع المثالي يضع مواهبه في خدمة المنظمة وقائدها وأحيانا يكمل مجهودات القائد، وفي أحيان أخري يخفف على القائد عددا من الأعباء.   

 [1] R. Kelley, the Power of Followership. 1992

 [2] Hughes, Richard and all. Leadership : Enhancing the Lessons of Experience. 1999